مل الأوربيون من تعدد دولهم فسعوا إلى الوحدة فكان الاتحاد الأوروبي، ويبدو أنهم ملوا من وحدة دولهم فنمت لديهم نزعات انفصالية، ظهر منها على سطح الأحداث في كتالونيا ولا يزال بعضها يلوح في الأفق، وإذا كان فشل انفصال كتالونيا جديرا بتأجيل تلك النزعات الانفصالية فإنما يتم ذلك إلى حين وليس بمستبعد أن تتفاجأ أوروبا بكتالونيا أخرى تظهر في هذا البلد أو ذاك في أي وقت تشعر فيه الجماعات ذات النزعة الانفصالية بضعف المركز. والقضية ليست قضية سياسية فحسب ذلك أن وراء هذه النزعات الانفصالية إرثا قوميا يميز الجهات التي تسعى إلى الانفصال، وهو إرث لم تستطع الدولة المركزية أن تدمجه في إطار وحدتها القومية فبقي ينمو تحت إحساس بالمظلومية الناتجة عن تكريس إرث المركز وثقافته ومن ثم هيمنته على ثقافة وإرث الأطراف، وليس الإرث والثقافة وحدهما هو كل ما يمد تلك النزعات الانفصالية بالوقود بل يعضده في ذلك الوضع الاقتصادي المتميز للأقاليم ذات النزعة الانفصالية، كما هو الحال مع كتالونيا قياسا ببقية أقاليم إسبانيا الأخرى ولومبارديا في شمال إيطاليا قياسا بأقاليمها الجنوبية، ويتمثل فشل المركز في هذا الجانب في عجزه عن دفع عجلة التقدم والتنمية في أقاليمه منخفضة الإنتاج مما جعلها تبقى عالة على الأقاليم المنتجة وهو ما جعل تلك الأقاليم تستشعر السخط وذلك حين تجد نفسها ذات نصيب أكبر في دعم الناتج العام ونصيب متساو في ميزانيات الإنفاق الحكومي.
أوروبا التي انشغلت طويلا بتأسيس وحدتها التي جعلت منها كيانا متماسكا من الخارج لم تفطن أن سياساتها الداخلية دفعت إلى نمو تكوينات صغرى لا تهدد بتفتيتها إلى دول فحسب بل تهدد بتفتيت الدولة الواحدة إلى دويلات كذلك.
أوروبا التي انشغلت طويلا بتأسيس وحدتها التي جعلت منها كيانا متماسكا من الخارج لم تفطن أن سياساتها الداخلية دفعت إلى نمو تكوينات صغرى لا تهدد بتفتيتها إلى دول فحسب بل تهدد بتفتيت الدولة الواحدة إلى دويلات كذلك.